الفيزياء
العالِم العراقي عبد الجبار عبد الله
العالم العراقي عبد الجبار عبد الله
عبد الجبار عبد الله عالم فيزياء وفلكي عراقي، وثاني رئيس لـجامعة بغداد (1959 - 1963). ولد عبد الجبار عبد الله في قلعة صالح بمحافظة العمارة جنوب العراق عام 1911 لعائلة عراقية من الطائفة المندائية وتوفى عام 1969 خارج العراق. أنهى دراسته الثانوية في العراق ثم انتقل إلى بيروت والولايات المتحدة الأمريكية لتتمة دراسته الجامعية حيث حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الطبيعية (الفيزياء) من معهد مساتشوست للتكنولوجيا MIT وهو واحد من أربعة طلبة فقط في العالم تتلمذ على يد ألبرت أينشتاين، عند عودته للعراق شغل منصب رئيس هيئة الطاقة الذرية العراقية عام 1958 قبل شغله منصب رئيس جامعة بغداد الذي بقي فيه حتى استلام حزب البعث لمقاليد الحكم عام 1963م بعد انقلاب 8 شباط حيث أقيل من منصبه وأعتقل. كان عبداجبار عبد الله يجيد إضافة إلى اللغتان العربية والآرامية اللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية له العديد من النظريات العلمية وخصوصاً في مجال الأنواء الجوية حيث أنه ينسب له الفضل الكبير في العديد من الأعمال الخاصة بفرع الأعاصير والزوابع من فيزياء الجو. له العديد من المؤلفات في مجال الفيزياء والعلوم باللغة العربية. غادر العراق إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد مضايقات حكومية له وإتهامه بالانتماء إلى تيارات يسارية شيوعية وهو ما كان محظوراً آنذاك. قلده الرئيس الأمريكي هاري ترومان وسام "مفتاح العلم" لجهوده العلمية المتميزة [1]. كما تقرر عام 2009م تسمية إحدى قاعات جامعة بغداد وأحد شوارع بغداد باسمه تكريماً له
العلامة الدكتور عبد الجبار عبدالله تنبأ بالمطر في يوم صحو
– JULY 11, 2013
إبداع في الفيزياء والتخطيط العلمي
د. نجاح هادي كبة
عبد الجبار عبدالله 1911ــ 1969م علامة عراقي شهير داخل بلده وفي الخارج لاسيما في الجامعات الامريكية والفرنسية، محاضرا او استاذا، وعلى الرغم من قصر عمره الـ 58 سنة الا انه ترك وراءه نظريات علمية فيزياوية، بالاضافة الى المعرفة الثرة في التخطيط التربوي، فهو ثاني اثنين من مؤسسي جامعة بغداد عام 1956م هو وزميله الدكتور متي عقراوي، الذي تولّى رئاستها ثم خلّفه فيها الدكتور عبد الجبار عبدالله عام 1959م . وكانت تربطه بالزعيم عبد الكريم قاسم روابط عديدة منها اهتمام قاسم وقتئذٍ بتوسيع التعليم، ولعبد الجبار عبدالله الفضل في تأسيس جامعتي البصرة والموصل، ووضع اسس علمية للدراسات العليا، وتأسيس المجلس الاعلى للبحوث، والتخطيط لبناية رئاسة الجامعة في الجادرية، ووضع اسس وامتيازات البحث العلمي، وتاسيس المكتبة المركزية، كما له الفضل في رئاسة العديد من اللجان العلمية والادبية، فقد تولّى في العهد الملكي عام 1950م رئاسة لجنة العلوم واشترك في لجان اخرى اكاديمية مع د. زكي صالح ومصطفى جواد وطه باقر وغيرهم من الاساتذة اللامعين، وهو عضو في جمعية الفيزياء والرياضيات العراقية، اما في الخارج فهو
ذكاء مبكر
1. عضو سيكما ــ جماعة اساتذة معهد ماساسوسيتس الفني.
2. عضو اتحاد الأنواء الجوية.
3. عضو نقابة الجيوفيزياويين الامريكية.
4. عضو الجمعية الملكية للأنواء الجوية.
5. عضو الاتحاد الامريكي للتقدم العلمي.
6. عضو الجمعية الدولية الجيوفيزيائية والجيوديسيا فرع من الرياضيات التطبيقية يعني بدراسة الارض .
ولد العلامة الدكتور عبد الجبار عبدالله في قلعة صالح وهي قضاء تابع لمحافظة ميسان العمارة ــ سابقا ــ وهو صائبي مندائي الدين فأبوه عبدالله بن سام كان شيخا وكذلك جده سام، وتعلّم الصبي اللغة المندائية والديانة الصابئية من افراد اسرته، وكانت البذرة الاولى لثقافته، اكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة بالمرتبة الاولى، وعلى اثر تخرجه في المتوسطة التحق بالاعدادية المركزية ببغداد، وتخرج فيها بمرتبة الشرف، وحصل على بعثة الى الجامعة الامريكية في تخصص الفيزياء واكمل دراسته فيها بدرجة شرف ايضا. وعلّق اسمه في لوحة الشرف في الجامعة، ومارس التدريس الثانوي في العمارة وفي الاعدادية المركزية في بغداد.
عيّن بعدها في بغداد استاذاً مساعداً في دار المعلمين العالية كلية التربية ابن رشد حاليّاً، بعد حصوله من معهد أم ــ أي ــ تي على الدكتوراه بسنة وثمانية اشهر، ولهذا الموضوع قصة، فقد تخاصم مع اساتذه على نظرية علمية، كان استاذه يراها صحيحة، وقرّرت الجامعة فصله ان لم يثبت صحة رأيه العلمي، واوضح لهم بالدليل العلمي القاطع ان الغلط في منطوق النظرية وليس في النظرية عندئذ منح الدكتوراه بسنة وثمانية اشهر فقط.
ان مخايل الذكاء بدت عليه وهو يدرس في الاعدادية المركزية دخل على زملائه والجو كان صحوً بمعطف ومظلّة، فاستغربوا منه، وما حانت الساعة الحادية عشرة حتى انهمر مطر غزير، فوقى نفسه.
كان رحمه الله بسيطا متواضعًا، روي عنه عند أول دخوله قاعة المحاضرات في دار المعلمين العالية، ان عميد الدار آنذاك، قدّم شرحاً مسهباً للطلبة عن استاذهم الجديد، وكيف ان له من المميزات في الخارج، والطلبة ينتظرون دخول أستاذهم وبعد فترة عرف الطلبة ان هذا الانسان الهادئ البسيط المتواضع الواقف بجنب المنصة هو استاذهم الجديد.
وروي عنه ايضا، انه حين اسس المكتبة المركزية ببغداد، كان يحضر فيها صباحا، الساعة السادسة، ويخرج الساعة الثامنة، بعد ان يقرأ ما استجد فيها من كتب، اذ إنْهالَتْ على المكتبة المركزية على يده مئات من الكتب من مختلف انحاء العالم وكان يخرج الى رئاسة الجامعة بسيارة ستيشن مع السائق وهو يجلس بتواضع الى جانبه فلم يتعامل معه كتعامل البيك مع السائق، هذا الرجل جمعته علاقات حميمية مع علماء اخرين امثال طه باقر ومع سياسيين أمثال عبد الفتاح ابراهيم ابن عم كاتب القصة الريادي محمود احمد السيد ، جمعته معهم محاربة الانكليز والانحياز للطبقات الفقيرة والمطالبة باستقلال العراق من الهيمنة الاجنبية واتهموا بالشيوعية، وهي تهمة تلصق وقتئذٍ على كل من يحارب الانكليز، ان انحياز عبد الجبار عبدالله للطبقة الفقيرة سببه انه نشأ فقيرا، كانت عائلته تسكن في قلعة صالح في كوخ من طين قرب المندى الصابئي في محله اللطاطة ، اذ المعلوم ان عبد الجبار عبدالله لم ينتم للحزب الشيوعي العراقي الا مدة شهرين عام 1941م وكان لعبد الفتاح ابراهيم وقتئذ رئاسة حزب الاتحاد الوطني ولم ينتم عبد الفتاح ابراهيم للحزب الشيوعي وان حسب يساريًّا، وكانت له صحف منها صحيفتا السياسة وصوت السياسة وله مجلة باسم الرابطة كان عبد الجبار عبدالله ينشر فيها بحوثه العلمية وكان عبد الجبار سكرتير تحريرها، لقد آمن عبد الجبار عبدالله بالديمقراطية والحرية وهذا متأتٍ من دراسته في الخارج في أمريكا وقبلها في دراسته بالجامعة الامريكية في بيروت اذ كانت هذه الجامعة على الرغم من طابعها الغربي الا انها شجّعت العرب على الاهتمام بلغتهم وتراثهم وشجعتهم على إبداء الرأي والحرية والديمقراطية وكان عبد الفتاح ابراهيم من خريجي الجامعة الامريكية في تخصص التاريخ مما قرّبه من عبد الجبار عبدالله ، اذ اسس عبد الفتاح ابراهيم وعزيز شريف وخدوري خدوري وعبد الجبار وهبي وكامل قزانجي وروز خدوري ونزيهة رؤوف، جمعية الرابطة الثقافية، وهي تمثل التيار الليبرالي الاول في العراق ومجلتهم كانت الرابطة.
وانعكست افكاره الليبرالية على التدريس، فكان يشجع طلابه على التفكير الإبداعي ويبتعد عن الاسلوب الالقائي ــ الخطابي، الذي يحوّل العملية التعليمية بين المرسل الاستاذ والمستقبل الطالب الى اشبه بعملية اطعام بالملعقة Spone Feeding ، وروى عنه ذات مرة انه قال لطلابه ادخلوا ماشئتم الى قاعة الامتحان من كتب ومصادر، كانت اسئلته تفكيرية انتقادية وليست تحصيل حاصل.
قال عنه حميد المطبعي
ألِفْتُ قيه ذاكرة ناشطة، وكوّنت فيه أوليات الذكاء الفطري، لكن ثمة أسباباً اخرى أسهمت بتفوقه العلمي ــ العبقري، وهي
1. ولع بالرياضيات منذ صغره في مرحلة الدراسة الابتدائية، والمعلمون يتحيّرون إزاء ذلك، كان يحل اعقد المسائل في علم الجبر، ولم يكن مَنْ درّسه، وكان يشكّل ظاهرة رياضية منفلتة من أي قانون علمي، والرياضيات في الصغر تدرّب الدماع على فلسفة الاشياء والوقائع في الكبر.
2. وكان معلّمه في الصف السادس الابتدائي يخرجه الى السبورة ليكتب له شروحات عن ظواهر الرياح والامطار، ويسأله من اين لك هذا ؟ فيجيبه الطالب الصغير عبد الجبار عرفتها… عرفتها ، فسمّي بين الطلاب بـ الفلكي الصغير ، وتخرج في الابتدائية عام 1926م وهو الاول على اقرانه في العمارة وفي الثانوية في بغداد 1930م وهو كذلك الاول ليس في دروس العلوم المحض وانما في دروس اللغة والادب… اذ كان ينشئ جيّدا، والناس تلتمس المقالة من بين يديه… والمعروف عن عبد الجبار المامة باللغة العربية والسريانية وكان قارئاً بالانكليزية وقارئا بالفرنسية والالمانية.
3. درس العلوم الفيزياوية في الجامعة الامريكية في بيروت وتخرج فيها عام 1934م وسجلت له مدوّنات علمية في تلك الجامعة، اعجب بها اساتذته، وفي بيروت كتب ونشر في صحفها بعض مقالاته، وتعرّف على تيارات الفكر، اهمها التيار الماركسي الذي أفاده في تفسير التطور تفسيراً ماديّا، نشط فيه بملاحظته الظاهرات الاجتماعية.
4. عاد من بيروت وعّين في مطار البصرة في دائرة الأنواء الجوية، 1937ــ 1941م ، ثم انشأ له مختبرا فيزياويًّا في مطار البصرة ووضع له منهجا علميا في قياس الأنواء، ثم انشأ له في بيته مختبراً آخر مارس به ذات العملية، واكتشف بوساطته فرضيات عدة ولم يقل لاحد شيئا عن فرضياته التي تطوَّرت الى نظريات في العواصف والاعاصير، وكان في مختبره الخاص اجهزة يقيس بها الامواج الصوتية، ولم يذكر لاحد انه يملك اجهزة او ابتكارات، بل كان يكتم اشياءه الإبداعية حتى تتبلور وتنضج، والعلماء يكتمون ارقامهم ثم يفرجون عنها في لحظة مفاجئة…!
5. في سنوات 1952ــ 1955م طلبته جامعة نيويورك لاجراء بحوث خاصة في فيزياوية الجو، فقدّم لهم ابحاثا عدة في مشكلة الاعاصير في البحار، وكان في هذه المدة الامريكية يجري بحوثا مع علماء امريكيين بشأن فلسفة الانواء الصوتية ودخل من اجل ذلك مختبرات علمية دولية واكتشف في اثناء تبحره ومعاناته مبادئ مركزية في الطاقة النووية.
ومن الجدير بالذكر إن العلامة عبدالجبار عبدالله له الفضل في تاسيس الطاقة النووية في العراق للأغراض العلمية اواسط الخمسينات، وترأس لجنة الطاقة عام 1958م .
ولعبد الجبار عبدالله 25 مقالة رصينة في الاعاصير والامواج الصوتية والرياح في مجلات امريكية منها
1. مجموعات كتل الأمواج، وقائع أكاديمية، نيويورك للعلوم، المجلد 28 عام 1947م صفحة 744 .
2. حركات الموج عند سطح تيار ذي توزيع دليلي اسي دوراني، وقائع أكاديمية نيويورك للعلوم، المجلد 49 عام 1948م صفحة 469.
3. مشكلة في الحركة الدورانية للسوائل، مجلة الجمعية الأمريكية للأنواء الجوية، المجلد 28 عام 1948م صفحة 469 .
4. تاثير الاحتكاكات في الاضطرابات الجوية، مجلة الجمعية الامريكية، للأنواء الجوية، مجلد 34 عام 1949م .
5. عين اعصار هريكين، اوراق بحوث جامعة نيويورك حول الأنواء الجوية، المجلد 2 رقم 2 ، الجزء الاول، 1953م …. الخ. وان للعلامة د. عبد الجبار عبدالله كتب منهجية للمراحل الدراسية المختلفة حتى الجامعية. وبعد عام 1963 اودع السجن رقم 1 بتهمة الشيوعية او الشعوبية، وبعد المقسوم ، نقل الى سجن نقرة السلمان، ولولا الاصوات الدولية لهلك في السجن فرحل الى امريكا مدرساً اول في جامعة اوهايو وباحثا في جميعة المترولوجيا ، ومستشارا في مراكز بحثية عديدة، وانجز هنالك نظريات عدة بين عامي 1964 ــ 1968م وطلب قبل وفاته ان ينقل جثمانه الى العراق، ونقل الجثمان الى بغداد، ودفن في ابي غريب في مقبرة الصابئة المندائيين.
كتبت على قبره الشاعرة لميعة عباس عمارة هذه الابيات
1. سهرت للعلم العيون وذوّب الجسم الذكاء.
2. ومنحته متجردًا زهو الشبية والدواء.
3. حتى اذا جدّ السقام وعاصره الداء العياء.
4. قصرت يدا العلم السخي ولم يساعد بالشفاء
والسؤال الذي يطرح نفسه، أفلا يستحق منا العلماء بعض التكريم ؟ الذين قال عنهم سبحانه وتعالى في كتابه الكريم هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون
http://www.alefyaa.com/archives/10807
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
عبد الجبار عبد الله عالم فذّ مظلوم في حياته ومماته
د. كاظم المقدادي*
مرت قبل أيام الذكرى الثانية بعد المئة لميلاد العالم العراقي الكبير عبد الجبار عبدالله (1911) والذكرى الرابعة والأربعون لرحيله (1969)، وسط تجاهل تام من حكام العراق (الجديد)، مثلما تجاهلوا مئويته وإرثه العلمي. وهم بموقفهم هذا يتنكرون لعالم عراقي فذ كرس جل حياته وطاقاته الإبداعية ومؤهلاته الأكاديمية وكفاءته العلمية النادرة في سبيل رقي شعبه ورفع اسم وطنه عالياً بين الأمم، ورحل بعيداً عنه.
انطلاقاً من تقديرهم العالي لمكانة العالم عبد الجبار عبدالله، انتقد الكثير من المثقفين العراقيين موقف الحكومة، برئاسة المالكي، وبقية المؤسسات المعنية، وعبروا عن امتعاضهم لهذا التجاهل المجحف بحق أحد أبرز رجال العلم العراقيين، معتبرينه (الموقف) دليلاً اَخر يؤكده المتنفذون في عراق اليوم بأنفسهم، بأن همهم اليومي وأولوياتهم لا علاقة لها، لا من قريب ولا من بعيد، بالعلم والعلماء، ولا بالكفاءات العلمية العراقية الراقية والمحترمة التي هي مفخرة للشعب والوطن، قدر اهتمامهم وصراعهم المستميت على السلطة والنفوذ والمال وتقاسم المغانم والامتيازات غير المشروعة، وإعلاء المصالح الشخصية والحزبية الضيقة، على حساب المصالح الوطنية العليا..
خر واعتزاز
لكل العراقيين الأخيار
عبد الجبار عبدالله عالم كبير يعتز به كل عراقي أصيل. قال عنه الجواهري بحق:"أهز بك الجيل الذي لا تهزه نوابغه حتى تزور المقابرا"، وكتب عنه زميله وصديقه البروفيسور عبد الكريم الخضيري، بمناسبة مرور ربع قرن على رحيله، يقول: عبد الجبار عبدالله يذكرني بغاندي، حيث كان هادئاً في مشيته وطباعه،قليل الكلام، لكنه إذا تكلم نطق بحكمة.. كان متواضعاً، لا يعرف الكبرياء، رغم أنه قد بلغ قمة الإنجاز العلمي والأكاديمي..مقنعاً في مناقشاته بمنطق سليم، ورؤية سديدة. وعبّر د. إبراهيم العلاف عن رأي الكثيرين بالقول:"لا أعتقد أن ثمة أمرا يتفق عليه العراقيون جميعا مثل اعتزازهم وتقديرهم وإعجابهم بالأستاذ الدكتور عبدالجبار عبدالله، فالرجل كان عالما في تخصصه، مربيا متميزا، وباحثا نشيطا، ومؤلفا ثبتا وإنسانا فاضلا ودودا متواضعا. نهض بجامعة بغداد، فذاعت سمعتها الطيبة في أرجاء العالم. كتب عنه الكثير وكرم في حياته وبعد رحيله، لكن الحاجة إلى التذكير به لا تزال مطلوبة خاصة في مرحلتنا الحاضرة وأقصد بها مرحلة إعادة بناء العراق"..
لقد احتل العالم عبد الجبار عبدالله مكانته الطبيعية بين مشاهير العلماء المرموقين في العالم ودخل اسمه أكبر المعاجم العلمية.استطاع ان يدخل تخصصاً جديداً في علوم الجو سمي علم الميزومتيورولوجي Mesometeorology الذي أصبح في ما بعد فرعاً مهماً في علم الأنواء الجوية. وقد كُتب اسمه وبحوثه في الموسوعة العالمية المعروفة (من هو؟) التي تضم أشهر الأسماء للعلماء المخترعين في العالم. ولم يكن عبد الجبار"ظاهرة علمية عابرة في حياة العراقيين المعاصرين، بل هو شخصية وطنية وديمقراطية وتقدمية وعلمية تستحق دراسة توجهاتها الخاصة في هذا المجال".
خسارة لا تعوّض
كرمت قيادة ثورة 14 تموز المجيدة البروفيسور عبد الجبار عبد الله اعترافاً وتقديراً بكفاءته ومؤهلاته الأكاديمية والعلمية والإدارية، من خلال تعيينه أول رئيس لجامعة بغداد في ظل الثورة. وكان أهلاً للمسؤولية التي أنيطت به، فقد لعب دوراً كبيراً في توطيد الجامعة وتطويرها. وبجهوده اتسعت الجامعات ووصلت الى المحافظات الأخرى. وحصل تطور كبير في العملية التربوية والتعليمية والبحث العلمي الجاد. وقد ربط الدكتور عبد الجبار عبد الله العلم والتعليم بأهداف الثورة ربطاً عضوياً، دامجاً إياها بخططها وبرامجها الاقتصادية- الاجتماعية والصناعية والزراعية والثقافية..كانت الجامعة في أيام عالمنا الجليل مستقلة في عملها، لا تتدخل السياسة إلا في مساعدة الجامعات على النهوض بها علمياً وتوفير مستلزمات البحث للنهوض بها الى مصاف جامعات العالم المتقدم- بشهادة أ.د. عباس التميمي.
كما أن من يطلع على الأعمال والأبحاث التي قام بها د. عبد الجبار عبدالله، وكذلك على كتبه وترجماته ومقالاته العامة ونتاجه واَرائه وأفكاره في العملية التعليمية والتربوية يدرك القيمة الحقيقية لمكانته كعالم مرموق في مجال الأنواء الجوية، ويعرف أنه ريادي في بعض فروع هذا العلم، واستاذ جامعي ومربٍ وتربوي قل مثيله.عندئذ يفهم المرء مقدار الخسارة التي مني بها العراق لدى فقدانه عبدالجبار عبدالله.
قال العالمان برنارد هوروتس و جيمس اوبراني فيه عند وفاته: فقد وطن عبد الجبار عبد الله، العراق، بموته واحداً من أبرز علمائه. سيتذكره زملاؤه الذين أسعدهم الحظ في التعرف عليه شخصياً، كزملاء في المهنة وكأصدقاء، ليس فقط لمساهمته في علم الأنواء الجوية، وإنما أيضاً لخصائله الإنسانية الرفيعة.
لا أحد ينكر، سوى من هو حاقد أو جاحد أو متعصب أعمى(والعقل الضيق يقود دائماً الى التعصب- وفقاً لأرسطو) بأن عبد الجبار عبد الله هو أحد رجال العلم الأفذاذ، كرس حياته وكفاءاته العلمية والفكرية لخدمة شعبه ووطنه.إنه عالم فيزيائي مرموق، معروف على الصعيد العالمي، تعتز به الأوساط العلمية في العالم، وتخلد اسمه اعترافاً منها بما قدمه للبشرية من إنجازات علمية لا تنسى..
أما في العراق، فللأسف، الى اليوم ثمة ملايين من الناس الغارقين في جحيم الفكر الديني المتعصب، يجهلون اسمه ومكانته العلمية، بوصفه أثرا خالدا من آثار بلاد النهرين.. لكنه للأسف، أثر شمله الإهمال والنسيان والتجاهل، والنهب مثل بقية آثار وثروات العراق.. عبد الجبار عبد الله مفخرة للعراق ولشعبه، رفع اسم ومكانة العراق عالميا، فجوبه بإهانة كرامته على أيدي الحرس القومي، ومسخت مكانته بعد انقلاب البعث الفاشي في 8 شباط 1963، ليعكس مدى انحطاطهم وسقوط أخلاقهم. لكن عبد الجبار عبد الله ظل يسمو أبدا، وبقوا هم في حفر الرذيلة. بعدها انتظر 40 عاما، وهو مسجّى في قبره، ليكرّم بإطلاق اسمه على أحد شوارع بغداد، وإحدى قاعات جامعة بغداد.
منهج مستهجن
لم يستغرب المثقفون العراقيون من المتابعين عن كثب لموقف حكام العراق (الجديد) من ذكرى عبد الجبار عبدالله وتجاهلهم لإرثه العلمي الثري..المستغرب والمؤسف أكثر ان نجد بين المثقفين والسياسيين من يقف متفرجاً على المواقف السياسية والممارسات الممنهجة للقوى الطائفية المتنفذة، المتواصلة منذ سقوط النظام المقبور وحتى اليوم، الفاسحة المجال واسعاً للظواهر المنبوذة في المجتمع العراقي الأصيل، وفي مقدمتها الطائفية، وهيمنة المحاصصة على مرافق الدولة، بما فيها الجامعات والكليات، وفرض أشخاص عديمي الكفاءة إدارياً وفاشلين ومزوري شهادات، ودعم المتخلفين دراسياً، وتشجيع الغش في الامتحانات، وغيرها من عوامل الانحطاط الدراسي.
إن القوى المتنفذة والسياسيين والمثقفين الذين حولوا أنفسهم وعاظ سلاطين يتحملون المسؤولية عن كل ما يحصل، كما يكتب د.رشيد الخيون،:"من فواجع انتحال الشهادات، وادعاء المنازل العلمية، كعالم الذرة الكذاب مثلًا، وهو مجرد محلل كيمياوي في مركز الذرة لا عالم ذرة، وكذلك الأطباء الكذابين أيضاً، حيث تفسد الأبدان بفساد الطبيب. وسبق هذا ورافقه عمل حثيث لإفراغ البلد من الكفاءات العالية". وثمة أيد خفية في الدولة تعمل في هذا المنحى.فقد تم الكشف عن اغتيال نحو 500 عالم ومختص عراقي من شتى الديانات والطوائف منذ عام 2003، بحسب البيانات المتوفرة لدى الحكومة العراقية. وأوضح مصدر بأن"أغلب العلماء الذين تم اغتيالهم، لم يقتلوا لأسباب طائفية أو قومية وإنما قتلوا بفعل ميليشيات تابعة لأحزاب عراقية". ويشار الى أن السنوات المنصرمة شهدت مقتل كـــثير من الأطبــــاء والمختصين وعمداء الجـــامعــــات والأكاديميين العراقيين في عمليات عنف مجهولة المصدر. ويجري هذا في وقت تتم فيه، في كافة مرافق الدولة إشاعة المحاصصة الطائفية، وتشجيع الانتهازية، وتوطيد المحسوبية والمنسوبية، وإغراق مؤسسات الدولة بأصحاب الشهادات المزورة، وحماية المزورين، أسوة بحماية الفاسدين، وسراق المال العام، والمختلسين، والمرتشين.
هذا المنهج المستهجن، الذي أشاع المزيد من التخلف وتغييب العقل العراقي المبدع، يسير بالعراق نحو الهاوية السحيقة، ويطرح على المجتمع العراقي وقواه الخيرة السعي الجاد في الانتخابات القادمة لإزاحة الطائفيين والفاسدين والفاشلين والانتهازيين وكل المناوئين للحياة الديمقراطية الحقة، وإفهام الجميع بأن من يريد الخير للعراق ولعامة مواطنيه حقاً يجب أن يعمل جنباً الى جنب مع كل الخيرين ليحلوا محل المتنفذين الحاليين ولتقود العراق عناصر من التكنوقراط والإداريين والمفكرين والأكاديميين الذين هم بمواصفات الدكتور عبد الجبار عبدالله الذي لم يكن عالماً فذاً فحسب، وإنما شخصية وطنية ديمقراطية حقة، وإنساناً فاضلًا ذا خصال إنسانية رفيعة..
آن الأوان ليدرك الجميع أن عراق اليوم بحاجة ماسة إلى سياسيين وحكام وإداريين بغيرة عبد الجبار عبد الله الوطنية وتفانيه وإخلاصه وحرصه وحبه لوطنه.. يمتلكون حياديته وحكمته وحنكته وبراعته وتواضعه الجم رغم مكانته العلمية الرفيعة وما يمتلكه من تجربة وخبرة غنية، أكاديمية وعلمية وإدارية..
عتب على الجميع
لقد عبر الخيرون من العراقيين بمناسبة مئوية عالمنا الكبير عبد الجبار عبد الله عن اعتزازهم بمكانته، باعتباره مفخرة للشعب، ودللوا مرة أخرى بأنهم يكنون له كل الحب والتقدير، بل والتبجيل. ولم يكن ذلك مجرد إحساس وشعور، وإنما جسدوه عملياً بكل ما استطاعوا عليه، أفراداً ومؤسسات ومنظمات جماهيرية، بمبادرات وفعاليات ثقافية وجماهيرية عديدة قاموا بها في داخل العراق وخارجه..
المؤسف أن تمر الذكرى الحادية والثانية بعد المئة لميلاده دون أن نسمع أو نقرأ عن أية فعالية أقيمت بالمناسبة. والعتب موجّه للجميع الذين يدركون ان من حق عبد الجبار عبد الله على شعبه وعلى الحكومة أن يجري تكريمه في كل عام بما يستحقه، لتبرهن بأنها تحترم وتقدر العلماء العراقيين الذين خدموا شعبهم ووطنهم.
ولعل أبسط ما تقدمه الحكومة الحالية لعالمنا الجليل هو العناية بتراثه العلمي وتقديمه للأوساط العلمية والتعليمية والثقافية، العراقية والعربية والأجنبية، بما يليق ومكانته. وتعريف أجيالنا بسيرة حياته، بما ترك لها من إرث علمي وتعليمي وتربوي غني بالبحوث العلمية والأكاديمية الرصينة، اَخذين بنظر الاعتبار أن إرثه العلمي الذي يجهله الكثير من العراقيين والعرب يمكن جمعه بمساعدة الأوساط العلمية الأجنبية، خاصة الأمريكية..
فلئن رحل عالمنا الكبير غريباً،بعيداً عن وطنه، ليس من العدل والإنصاف ان يبقى إرثه العلمي غريباً على أبناء وبنات شعبه، وعلى من يجيدون اللغة العربية والكردية والإنكليزية..
آن للجهات العراقية المسؤولة ان تقوم بواجبها تجاهه، فتؤسس معهد أبحاث متخصصاً باسمه، وتجمع تراثه العلمي، وتصونه، وتضعه في متناول الباحثين والمهتمين، خاصة الشباب، الى جانب توظيف أفكاره وفلسفته في البحث العلمي وفي التربية والتعليم في خدمة عملية إعادة إعمار العراق وتطوير مؤسساته العلمية والبحثية والتعليمية نحو الازدهار والرقي..
وهذا أقل ما يستوجب أن تقوم به الدولة العراقية تكريماً لعالمنا الفذ عبد الجبار عبد الله!
*
أكاديمي عراقي مقيم في السويد
http://www.almadapaper.net/ar/news/451430/%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%81%D8%B0-%D9%85%D8%B8%D9%84%D9%88%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D9%8A%D8%A7
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الاستماع
---------------
No comments:
Post a Comment